ترك برس

أكد الإعلامي المصري علي أبو هميلة، أن الدراما التاريخية التركية حظيت باهتمام كبير من صناعها في الآونة الأخيرة، وأن ربع القرن الماضي شهد إنجازا دراميا تاريخيا في تركيا.

وقال أبو هميلة في مقال بموقع الجزيرة مباشر إن للدراما التاريخية عشاقها من الجمهور في كل زمان، ومكان وأينما وجدت الدراما التاريخية حققت نجاحا كبيرا، اعتمادا على حنين جارف إلى الماضي واستعادة للحظات تاريخية عاشتها الأمم، لا يختلف هذا أن كان الواقع التاريخي حدث في الأمريكتين أو أدغال إفريقيا، أو في أوروبا والشرق العربي، عربية كانت اللغة، أو إسبانية، أو إنجليزية، أو تركية، فاللغة قد تكون عابرة للدول والقوميات، والترجمة تصبح عاملا في تواصل الثقافات التاريخية، وتؤثر في معارف بعض الشعوب بتاريخ بعضها.

وأوضح أن القيمة الحقيقية في الأعمال التاريخية ليست في تأريخها للأمم بقدر ما تزرع في وجدان الشعوب وخاصة أجيالها الجديدة قيما قد تتلاشي في ظل عولمة تضيع فيها كل القيم، وترسي الدراما التاريخية قيما مختلفة عن أطروحات العولمة من أهمية الإيمان بالوطن، والعقيدة بالنضال والتحرير، ونشأة الأمم واستقلالها وطرق تحقيقها للوحدة والحرية.

وذكر أنه كلما عرض عمل درامي تاريخي وقع الاشتباك بين جماهيره بين ما تطرحه الدراما والواقع الحقيقي للتاريخ، ويتناسى الجمهور مثقفين وعامة أن التاريخ يكتبه المنتصر، والدراما يكتبها مبدع.

وأضاف: في الحالة الأولى نحن أمام رؤى عين مؤرخ أو عالم ووثائق كتبها أفراد من وجهة نظرهم، وفي التالية نحن أمام إطار تاريخ يتخذ منه المبدع كاتبا أو مخرجا نافذة لطرح رؤاه، لذا لا نستطيع الجزم بأن ما أرّخه المؤرخون وعلماء التاريخ هو الحقيقة، وكذلك لا نجزم بأن إبداع الفنانين هو ذات التاريخ.

وتابع المقال:

الدراما التاريخية التركية حظيت باهتمام كبير من صناعها في الآونة الأخيرة، ويمكننا القول إن ربع القرن الماضي قد شهد إنجازا دراميا تاريخيا في تركيا منذ أول عمل تاريخي لها (حريم السلطان) العمل الذي تناول كواليس إدارة الدولة العثمانية في عصر السلطان سليمان القانوني.

والقانوني أحد أهم سلاطين الدولة العثمانية بعد مجموعة المؤسسين، فقد استطاع أن يمضي بالدولة العثمانية والخلافة إلى أطراف الأرض من الهند والصين شرقا إلى قلب أوروبا، والمغرب والجزائر غربا، وأعماق إفريقيا جنوبا.

في سياق الأعمال التاريخية الممتد في الدراما التركية شهدنا أعمالا هامة منها أرطغرل، السلطان عبد الحميد، الأوغور السبع، ألب أرسلان، السلاجقة، وخير الدين بربروس، وغيرها من الأعمال التي تناولت تاريخ تأسيس الدولة العثمانية (والخلافة) حتى نهاية عصر خلافة الدولة العثمانية في مسلسل السلطان عبد الحميد.

شهد الموسم الدرامي المنتهي في يونيو/حزيران الجاري دخول عملين تاريخيين للسباق الدرامي التركي، الأول كان فاتح القدس (صلاح الدين الأيوبي) وقد جاءت بدايته المثيرة مع عملية طوفان الأقصى، والحرب التي بدأها الكيان الصهيوني على غزة المستمرة طوال الأشهر التسعة الماضية، وقد حقق العمل نجاحا جماهيريا في موسمه الأول الذي استمر 28 حلقة بما يقارب 60 ساعة درامية.

العمل الثاني الذي دخل السباق متأخرا هو الفاتح (السلطان محمد الثاني) فاتح القسطنطينية، ويتناول حياة محمد الثاني بن السلطان مراد الثاني، وهذا العمل كان بديلا لعمل آخر لم يكتب له نجاح جماهيري هو مسلسل الفتح العظيم، الذي بدأت أحداثه من طفولة الفاتح محمد، ولم يستمر عرضه إلا ثماني حلقات توقف بعدها.

جاء الفاتح ليبدأ أحداثه من الولاية الأولى للسلطان محمد الثاني أثناء حياة أبيه الذي اعتزل الحكم بعد ولاية ولي عهده الأول علاء الدين، والفاتح العمل الدرامي الأكثر تميزا بين الثلاثية التاريخية التي قدمت هذا الموسم حيث جاء المؤسس عثمان في موسمه الخامس مكملا للثلاثية، وقد عرض الجزء الأول من الفاتح في 15 حلقة تلفزيونية ربما بسبب تأخر بداية عرض حلقاته، وسوف يشاهد الجمهور جزءه الثاني في أكتوبر/تشرين الأول القادم.

يأتي المؤسس عثمان متمما للثلاثية التاريخية الممتدة من نهاية عصر السلاجقة، والخلافة العباسية، والصراع العباسي الفاطمي، وبداية ملامح الدولة الأيوبية في فاتح القدس، وفتح القسطنطينية في محمد الفاتح. المؤسس عثمان هو همزة الوصل بين التاريخين، وقدم في موسمه الخامس 27 حلقة درامية ليكتمل عدد حلقاته 165 في مواسمه الخمسة وينتظر تقديم الجزء السادس منه في الموسم الدرامي القادم.

كان المؤسس عثمان امتدادا لمسلسل أرطغول الأب الذي تناول بدايات قدوم قبيلة الكايي إلى الحدود الغربية للدولة السلجوقية تحت قيادة سليمان شاه والد أرطغول، ومحاولات عثمان تأسيس إمارته في غرب الدولة السلجوقية، وحتى قيام دولة آل عثمان.

كان الجزء الثالث من السلسلة هو قمة الموسم الدرامية للمؤسس عثمان، الذي ينتظره بعد نهاية موسمه السادس إنتاج مسلسل عن أورهان بن عثمان الذي يعتبر في كثير من المراجع المؤسس الحقيقي للدولة العثمانية بما حققه من توسعات زادت على أحلام أبيه عثمان بن أرطغول بن سليمان شاه.

أغرى النجاح الجماهيري لسلسلة المؤسس فريق العمل بالاستمرار في مواسم جديدة، وقد وصل العمل إلى قمته أثناء عرض الموسم الثالث بما شهده من أحداث درامية شهدت المعارك الحقيقية لقبيلة الكابي وفتحها مجموعة من القلاع الصليبية في ظل صراع أيضا مع المغول الذين سيطروا على دولة السلاجقة، ومجموعة من الشخصيات التاريخية في كل جهة المغول، السلاجقة، والصليبين، إضافة إلى أبناء وأبطال قبيلة الكايي.

استطاع المنتج محمد بوذداج وهو الكاتب أيضا أن يحشد مجموعة من النجوم والأبطال إضافة إلى نص درامي محكم وشخصيات درامية قوية، صراع بين الشخصيات وصياغة نفسية وإنسانية ملفتة؛ لذا وصل بعمله إلى قمة النجاح حتى في تناول العلاقات الإنسانية والعاطفية ولا سيما بين أبطال العمل بالا بنت أديب علي، وعثمان، ومالهون خاتون التي تعتبر السلطانة الأم للدولة العثمانية، ووالدة أورهان ولي عهد عثمان.

الحوار الدرامي وصل إلى قمته في الموسم الثالث تعبيرا عن وجهات نظر أطراف الصراع التاريخي، فتح هذا النجاح شهية الأبطال لتقديم أجزاء أخرى؛ مما أوقع المؤلف والمخرج في عملية مط الأحداث وإعادة أنماط الصراع ذاته مع كل فتح لقلعة، تكاد تسمع نفس الكلمات من أشخاص مختلفين.

توسعت عملية ظهور أشخاص وتفاصيل حياتها الشخصية استغلالا للنجاح ورغبة في الاستمرار، وتشعب الصراع وإعادة تكرار أحداث متشابهة، والواقع أنني منحاز لهذا العمل لما فيه من جهد كبير في النص الدرامي والتنفيذ من فريق الإخراج والتمثيل، ولكن اختفت شخصيات بلا مبرر وظهرت أخرى من دون مبرر، فوقع المسلسل في أزمة التطويل والمط، واختلاق أحداث وتكرار مشاهد.

هذا حدث أيضا في فاتح القدس، وهو ما تحاشاه فريق العمل في مسلسل الفاتح فجاء عملا متكاملا إلى حد كبير، وفي المقال القادم نذهب إلى فاتح القدس، وفاتح القسطنطينية وملاحظات على الجزء الأول منهما.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!