ترك برس

في تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 1444 عادت الدول الأوروبية المسيحية للاتحاد من جديد ضد العالم الإسلامي، بغية القضاء على دولته الحاكمة، والتي كانت الدولة العثمانية حينذاك، وتشتيت قواه وطمس حضارته وتقدمه.

اختارت الدول الأوروبية القائد المجري "جان هونياد"، الذي كان يُلقب باسم "البطل القومي"، ليكون قائد جيشها العرمرم الذي بلغ تعداده ما يقارب 100 ألف جندي.

علم السلطان العثماني آنذاك "مراد الثاني" بأن هناك جيشا ضخما في طريقه إلى إبادة الدولة العثمانية عن بكرة أبيها، وعلى الفور أرسل السلطان العثماني رسالة إلى الدول الأوروبية يعرض عليهم الصلح والتوصل إلى وثيقة سلام شاملة، ولكن الدول الأوروبية رفضت ذلك واستمرت في تحركها نحو الجيش العثماني الذي كان على مقربة من البوسنة والهرسك، والذي كان تعداده يبلغ 50 ألف جندي. التقت الفئتان في العاشر من نوفمبر عام 1444.

وتذكر وثائق العثمانية أن هذه الحرب كانت من أكبر الحروب التي خاضتها الدولة العثمانية منذ تأسيسها وحتى انهيارها. كان القائد "كاراجا باشا" عريفا على ميسرة الجيش، والسلطان "مراد الثاني" على الجناح الأوسط، والقائد "شهاب الدين باشا" على الميمنة.

خاض الجيش العثماني الحرب بكل شجاعة وبسالة، ولكن الأعداد الهائلة للجيش الأوروبي المسيحي شكلت لهم عائقا كبيرا، فعجزوا عن قلب موازين الحرب لصالحهم، ولم يمضِ كثير حتى بدأت بوادر الهزيمة تظهر على كتائب الجيش العثماني. استشهد وجُرح الكثير من الجيش العثماني، وبدأت أجنحته بالتفكك.

ووقعت المسؤولية الكُبرى في حماية أواصر الجيش من التفكك على الجناح الأيسر للجيش، والذي كان يرأسه "كاراجا باشا"، وبينما كان "كاراجا باشا" غارقًا في المعركة، بدأت بعض علامات الاضطراب بالظهور على قائد الجناح الأيمن والسلطان "مراد الثاني" الذي كان يقود الجناح الأوسط للجيش، وفي تلك الأثناء، اقترب "كاراجا باشا" من السلطان "مراد الثاني" وخاطبه قائلًا "يا سلطاني المفدى؛ يجب عليك الانسحاب للخلف، حتى لا يُصيبك مكروه، فيصبح الأهل من بعدك في حال لا يحمد عليه"، وبعد رفض السلطان "مراد الثاني" الانسحاب من أرض المعركة، شرع "كاراجا باشا" يحارب بشراسة بالقرب منه.

هذا وبينما لهيب الحرب مشتعل قال السلطان "مراد الثاني" ردًا على "كاراجا باشا" "نحن بنو عثمان، لا نعرف للهروب من ميدان المعركة طريق أو سبيل، إما تنتصر أو نستشهد"، وعلى الرغم من أمر السلطان "مراد الثاني" للقائد "كاراجا باشا" بالرجوع إلى جناحه الأيسر، إلا أن "كاراجا باشا" هُزم أمام مشاعره القلقة على اغتيال السلطان، واستمر في القتال بالقرب منه.

تفككت صفوف الدولة العثمانية، وأخذ السلطان مراد الثاني بالبكاء داعيًا ومتضرعًا لربه بالنصر. رأى كاراجا باشا دموع السلطان مراد الثاني وتضرعه، فشق عليه ذلك، وبدأ ينظر في الطالع لحياكة خطة تكتيكية سريعة تنقذ الموقف الذي سقط به الجيش العثماني.

أخذ كاراجا باشا الجيش بعيدًا عن ميدان المعركة، وأخذ يحرضهم على الجهاد ويذكرهم بأمجاد الأجداد ويردد عليهم شعار "خرجنا في سبيل الله، نبغي إما النصر وإما الشهادة"، وخاطبهم قائلًا "السلطان مراد الثاني على رأسنا يدعو ويتضرع ربه طالبًا النصر، فهل نخذله في دعائه الذي يحتاج منا إبداء الشجاعة والإخلاص، ليناله نصيب التحول لواقع من قبل المولى الذي خرجنا نقاتل باسمه ومن أجل دينه؟ وفي نهاية حديثه دعا كاراجا باشا الجنود إلى إعادة ترتيب صفوفهم للانطلاق نحو قلب صفوف العدو لتفكيكها من الداخل".

ما لبث كاراجا باشا أن ختم خطابه، حتى انطلق كالأسد الهصور في مقدمة جيشه نحو هدف واحد متمثل باختراق قلب العدو وتفريقه. ذهل الجنود بشجاعة "كاراجا باشا" وشجاعته الشديد في قتال العدو واختراق صفوفه، فأخذتهم الغيرة بذلك، وانطلقوا بكل إقدام وحماس للحاق بقائدهم الصنديد، لاختراق قلب العدو وتشتيت عُراه.

ساهم خطاب "كارجا باشا" وما أبداه من شجاعة فريدة في رفع معنويات الجنود العثمانيين الذين أثخنوا في العدو وفككوا أواصره. تفكك الجيش الصليبي وتشتت قواه، وعندما رأى قائده المجري أن جيشه أصبح على شفا الهزيمة انسحب على الفور من أرض المعركة، وترك جيشه بدون قيادة، الأمر الذي عاد على جيشه بالهزيمة النكراء.


* الهوامش:

ـ نهال أتسيز، التاريخ العثماني، تاريخ النشر 1985.

ـ مجلة سيزينتي التركية، كاراجا باشا بطل عثماني، تاريخ النشر 1991.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!